حوار مع عالم الآشوريات ومترجم ملحمة جلجامش إلى الإنكليزية بنجامين فوستر
أجرى الحوار إكلال فانويسينفيك
ترجمه عن الإنكليزية: أسامة إسبر
هل يمكن أن نتوقع أخيراً اكتشاف الألواح الكاملة لنص لملحمة جلجامش؟ يناقش إكلال فانويسينفيك هذا الموضوع والاكتشافات الأخيرة الأحدث المتعلقة به مع مترجم ملحمة جلجامش إلى اللغة الإنكليزية وعالم الآشوريات بنجامين فوستر.
إكلال: هل يمكن أن تحدثنا من فضلك عن رحلتك مع ملحمة جلجامش. كيف قررت أن تترجمها؟
بنجامين: إن جميع علماء الآشوريات يقرأون ملحمة جلجامش في مرحلة ما من حياتهم المهنية، كما يقرأ جميع المختصين بالنصوص الكلاسيكية هوميروس وفرجيل. وقد شعر كثير من علماء الآشوريات، من جيلي ومن الأجيال السابقة، بأنهم قادرون على ترجمة الملحمة ترجمة أفضل من الترجمات السابقة. وكان أحد أسباب هذا الشعور هو التقدم السريع في فهم اللغة البابلية، أما اليونانية واللاتينية الكلاسيكيتان فتتعلقان أكثر بمسألة محاولة تحقيق إتقان أفضل استطاع الباحثون العظام للأجيال الأقدم إنجازه، ويمكن أن تصبح ترجمة الأعمال الكلاسيكية مثل وضع خمرة معتقة في زجاجات جديدة. وهناك سبب آخر هو الاكتشاف المتواصل لقطع جديدة من نصوص بلاد ما بين النهرين. ويعترينا نحن علماء الآشوريات شعور مريح بالتوقع لا يستطيع الباحثون في الآداب الميتة القديمة الأخرى أن يسمحوا به لأنفسهم، ذلك أن المزيد من المخطوطات القديمة لمؤلفاتنا المفضلة سيظهر، وستُكْتَشف أيضاً أعمال لم نعرف حتى أنها وُجدت. بالتالي، تحتاج ترجمات الأدب البابلي إلى تحديث وتوسيع وصقل متواصلين.
إن لنسختي تاريخاً متقلباً. ففي حوالى سنة 1984، أكملتُ ترجمة ما كان متاحاً آنذاك من الملحمة، واعتقدتُ، باندفاع باحث شاب، بعد عَقْدٍ من حصوله على شهادة الدكتوراه، أنني قمتُ بعمل جيد. وبينما كان المخطوط المنتهي يتوضّع متوهجاً على مكتبي وكنت أفكر لمن أرسله من الناشرين، تلقيت رسالةً من ناشر أكاديمي أميركي طلب مني فيها أن أحرّر ترجمة جديدة للملحمة عرضها عليهم زميل دراسة لي في الجامعة. وهكذا وجدتُ نفسي أواجه مأزقاً أخلاقياً: هل أعثر على خطأ في هذه النسخة وأروّج لنسختي؟
في الحقيقة، كانت الترجمة المقدمة قابلة للنشر، وهكذا بلعتُ الأمر بصعوبة وكتبتُ المراجعة المفضلة التي تستحقها، بالإضافة إلى اقتراحات بناءة مختلفة لتحسين الترجمة. وحين أرسلوا إليَّ الكتاب المخرج على نحو جميل لم يكن بوسعي إلا أن أنظر بحزن إلى الركام القليل الخاص بي من الجهد الذي بذلْته. أعتقد أن النسخة المنافسة والمنتصرة بيع منها الكثير وصدرت منها طبعتان.
في هذا المثال النادر، للفضيلة مكافأتها. فبعد خمس عشرة سنة كتبتْ لي محررة من مطبعة نورتون وطلبت مني أن أقترح أحداً كي يترجم الملحمة من أجل سلسلة “كريتيكال إديشنز" لنورتون. رويتُ لها قصة نسختي فطلبتْ مني أن أعاود العمل عليها لهم. فبدأتُ ثانية، مستفيداً من الخبرة التي يمكن أن يضيفها عقد ثان ونصف من التعليم والبحث، وكانت الترجمة الناتجة أفضل بكثير من تلك التي أنجزتُها من قبل. إن كثيراً من المشاريع البحثية، مثلها مثل النبيذ والجبنة الجيدين، تتحسن بعد مدة من التعتيق.
إن نورتون ناشر رائع واستفدت من ملاحظات محرر النص الممتاز الذي صقل وسبر لغة ترجمتي.
إكلال: اكتُشف مؤخراً لوح جديد في العراق (استُعيد من المهربين). وقلتَ في كلمتك في فريدونيا إنه اكتُشفت بداية جديدة للقصة أيضاً. هل تُرجمتْ هذه السطور إلى الإنكليزية؟ كيف تغير هذه الاكتشافات الجديدة القصة؟ مثلاً، في القرن التاسع عشر، شكلت قصة الطوفان نقطة انعطاف لانبعاث هذه الملحمة.
بنجامين: نُشرتْ عدة قطع جديدة مهمة منذ أن ظهرت ترجمتي في 2001. كما اكتُشف مخطوط جديد مهم للسطور الافتتاحية في سوريا، وقد ترجمها إلى الإنكليزية أول مرة أندرو جورج (2007). وتقدم لنا هذه الترجمة القراءة الصحيحة للسطور الافتتاحية، والتي اقتُرحت لها ترميمات متعددة معظمها خاطئ، وتضيف وتسقط وتعاود ترتيب الأبيات بطرق ممتعة. هنا مقتطف:
هو الذي رأى ينابيع الأرض وأساساتها،
خبرَ الطرق، وتجلت حكمتهُ في كل شيء،
جلجامش، الذي شاهد الينابيع، وأساسات الأرض
الذي خبرَ الطرق وكان حكيماً في كل شيء
هو الذي يعتني بالهياكل المقدسة في كل مكان.
يقدم لنا هذا المخطوط نصاً جديداً للأبيات من 29 إلى 38:
صارع جلجامش 50 رفيقاً،
كان ينهك الشبان كل يوم،
ويبقي شبان أوروك خائفين في...
نمتْ خصلات شعره وازدادت سماكة كحقل قمح،
لمعتْ أسنانه كشمسٍ مشرقة،
كان شعره داكناً كصوفٍ أرجواني.
وكان طوله أحد عشر ذراعاً،
وعرض صدره أربعة أذرع، من الحلمة إلى الحلمة،
ثلاثة أذرع قدماه وخطوته بطول قصبة
ثلاثة أذرع لحيته.
لا تُغيّر هذه السطور الجديدة القصة، أو تقييمنا الكلي للقصيدة، لكنها تجعلنا نركز على الملحمة بعمق أكبر.
وكانت المفاجأة الأخرى هي وصف غابة الأرز المدهشة في اللوح الخامس، ويحتوي جزء من اللوح على 140 سطراً تقريباً من اللوح الخامس في متحف السليمانية وقد نشره الراوي وجورج (2014):
كانت شجرة الأرز مرقطةً على ارتفاع ستين ذراعاً بالقشور،
نزّ الراتنج وتقطّر كقطرات المطر،
تدفّق في جدول وحملتْه الأقنية بعيداً.
وفي أنحاء الغابة كانت الطيور تغرّد،
... مجيبة بعضها بعضاً في صخب إيقاعي.
الحمامة تهدل، ويجيبها طائر قمرية،
وكانت الغابة مرحةً بصيحة اللقلق
ومنتشية من إيقاع طائر الدراج.
واصلت أمهات القرود صيحاتها، وصرخ صغار القردة...
كفرقة من الموسيقيين وقارعي الطبول،
دوّت طول النهار في حضور همبابا.
ثمة وصف جديد ومختلف للسفينة في لوح آخر كان لافتاً جداً للنظر (فنكل، 20014)
ركّبْتُ فيها ثلاثين ضلعاً، كل واحد بطول عشر قصبات، وسماكة عشرين إصبعاً،
ثبّت 3600 دعامة داخلها، بسماكة عشر أصابع، وبطول نصف قصبة،
سوّرتُ مقصوراتها، في الأعلى والأسفل.
وضعت قاراً بسماكة إصبع في الخارج
صببتُ قاراً بسماكة إصبع في الداخل
وسكبت قاراً بسماكة إصبع لمقصوراتها
وضعتُ في أفراني 28،800 مقدار من القار السائل
ثم سكبت 3600 مقداراً من القار فيها
لم يغطها القار حتى الأعلى
وهكذا أضفتُ شحماً بسماكة خمسة أصابع.
وضعْتُ في الأفران ما يعادلها.
وفي نسخةٍ أخرى عُثرَ عليها حديثاً لأحلام جلجامش عن إنكيدو استبدل جلجامش على نحو غامض بإله القمر سن، واستبدل إنكيدو بإله الحكمة إيا. من المفترض أن هذا حدث في أورـ أو أوروك (جورج 2007).
إكلال: هل من الواقعي، نظراً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، أن نتوقع اكتشافاً كمثل لوح الطوفان؟ أو هل من الممكن أن نعثر في أحد الأيام على نسخة واحدة كاملة للملحمة؟
بنجامين: أكيد أننا نستطيع توقع المزيد من اكتشاف النصوص الأدبية السومرية والبابلية. لكن من غير المرجح بالنسبة لي أن تُكتشف نسخة كاملة من الطبعة ذات الاثني عشر لوحاً. فالناهبون الحديثون بجرافاتهم وسرعتهم التي لا ترحم يدمرون أكثر مما ينقذون. أما المكتبات والمجموعات القديمة فتملك غالباً نسخاً غير كاملة من الأعمال الرئيسية.
إكلال: تجمع ترجمتك عدة نسخ موجودة للملحمة وتحدّد الفجوات والأجزاء المفقودة في الألواح. برأيك، ما الذي يميز ترجمتك لملحمة جلجامش عن الترجمات الأخرى المختلفة الموجودة في المكتبات اليوم؟ وما هي الترجمات الإنكليزية الأخرى المتقنة، أو في لغات أخرى؟ هل تُرجمتْ الملحمة على نحو أفضل في لغات أخرى كاللغات السامية مثلاً؟
بنجامين: إن ترجمتي تخيط معاً مادة تفصل بينها أحياناً قرون من الزمن، في ما يدعوه علماء الآشوريات "تناغم جلجامش".
هذا لأن الجمهور الذي كنت أتوجه إليه هو طلاب أدب جامعيون. ويعتقد علماء الآشوريات أن العلاقات البينية بين المخطوطات مهمة جداً، ويحبون الحديث عن سحر مهنتهم لأي شخص يحب أن يصغي، لكن الطلاب يحبون أن يستمتعوا بقصة.
وكمثل جميع المترجمين استشرتُ ترجمات أخرى قام بها أشخاص يفهمون اللغة الأصلية كي أرى كيف عالجوا النص الذي كنت أعمل عليه. لا أحتمل الأشخاص الجاهلين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون ترجمة الملحمة دون العودة إلى مسألة إتقان اللغة البابلية بالرغم من أنه يمكنهم بالطبع أن يعيدوا سردها. إن الترجمة الإنكليزية التي قام بها أندرو جورج هي الأكثر موثوقية في أية لغة حتى الآن. ويجب أن يدرسها أي تلميذ جاد للملحمة بعناية وكذلك طبعته الضخمة وتعليقاته وحواشيه. لقد اتخذ قرارات معينة حول ترجمتها ونفذها بشكل متماسك، مما منح نسخته أسلوباً مميزاً من ناحية عكس الخصائص النحوية للنص الأصلي، كما فعل جيروم حين عبْرنَ لاتينيته. وشددتُ أكثر على ما اعتبرته خصائص اللغة المنقول عنها. بالنسبة للغات الأخرى، هناك عدة ترجمات ألمانية رائعة، وأخرى فرنسية في غاية الأهمية، وترجمات محترمة في الهولندية والإيطالية والعربية والروسية. لا أستطيع بالطبع التعليق على جلجامش في لغات لا أستطيع قراءتها، مثل الكورية.
لا أظن أن أية لغة تملك ميزة ضمنية تجعلها أفضل من لغة أخرى من أجل ترجمة الملحمة رغم أن هناك نصوصاً معينة تبدو لي أجمل في لغة منها في لغة أخرى. يقول العرب إن اللغة هي الشخص وسيفهم قارئ الترجمات الكثيرة للملحمة ما يعنونه. لا يوجد سبب معين لماذا ستترجم لغة سامية البابلية بشكل أفضل من لغة هندو-أوروبية، عدا أن الأبيات الشعرية في اللغات السامية مكثفة وأكثر إيجازاً. تحتاج الفرنسية مثلاً إلى كلمات أكثر من الإنكليزية للتعبير عن الفكرة نفسها، وهكذا فإن ترجمة فرنسية لسطر بابلي ستكون غالباً أطول من ترجمة إنكليزية، لكن إذا كان متحدثو الفرنسية هم الجمهور، لماذا لا نعبر بطريقتهم؟ إن الإنكليزية غنية جداً بالمرادفات بحيث أن المرء يُغرى كي يلجأ إليها حين يكرر البابليون استخدام الكلمة، وهلمجرا. إن متعة وألم الترجمة هو أن نحاول اللعب جيداً على آلتين موسيقيتين في الوقت نفسه.
إكلال: إن القراء محتارون ومسحورون من العلاقة بين جلجامش وإنكيدو في القصة. فقد أرسلت الآلهة إنكيدو كي يكون "نداً مناسباً" لجلجامش، ثم تبين أنه أدنى من جلجامش بحسب شامهات، وفي نقطة ما من النص يُشار إليه كند لجلجامش:"ليكن نداً\\ليتنافسا مع بعضهما، كي تنعم أوروك بالسلام". ما هي الكلمة المقابلة لـ "ند" في البابلية والأكادية، وهل يتم تصور إنكيدو كند، صديق أو مخلص وخادم مضحي بنفسه؟
بنجامين: كان إنكيدو في النصوص السومرية الأسبق للملحمة البابلية مجرد خادم. لكن عبقرية الشاعر البابلي حولته إلى صديق ورفيق. ذلك أن ابتكار خصوم مناسبين للشخصيات المغرورة يحصل في أمكنة أخرى في الأدب البابلي وهكذا ربما عرف الشاعر عن الموضوع كجزء من إرثه الأدبي. أما بالنسبة لتعليقات شامهات فإنها تنتمي إلى استراتيجية خطابية بابلية مشهورة أخرى وبها يمدح المرء العدو بفصاحة بحيث أن المرء يتظاهر بامتلاك أفكار ثانية، وهكذا ينتهي به الأمر إلى أن يثني الشخص الذي يتم التحدث معه عن تحديه. إن الهدف الحقيقي هو إثارة روحه القتالية أكثر. وفي النص المقتطف "أن يكون نداً” يعني أن يواجه شخصاً ما، أن يضاهيه، أن يقاومه ويخاصمه. ويعني الفعل التالي بشكل أكثر تحديداً كي تخاصم ويبدو أقوى مثل الفعل "ينافس" في الإنكليزية. بما أن جلجامش ملك، لا يقدر إنكيدو أبداً أن يكون نداً له لكنه ند بمعنى أن جلجامش يقبله كصديق قبل أي شخص آخر.
إكلال: كيف هي عملية الترجمة بالنسبة لك؟ حين تعمل على مخطوط مبعثر كهذا، كيف تنظر إلى المسؤوليات الأخلاقية للمترجم؟
بنجامين: بالنسبة لعملية الترجمة أقوم بها سطراً سطراً فحسب، مقارناً بين نسخ أخرى متنوعة في لغات أخرى كي أرى كيف تنقل العمل. أحاول استخدام الكلمة الإنكليزية نفسها للكلمة البابلية نفسها كل مرة إذا استطعت، لكنني لا أنصاع لذلك إذا كانت كلمة إنكليزية لا تلائم تدرجات المعنى المتضمن في الأصلية. أميل إلى أن أترجم بشكل واسع في البداية، كما لو كي أفهم ، ثم أصحح كي أتخلص من حرفيتي، بحيث أغيب ويتجلى الأصل أكثر. أشعر أيضاً أنه من الضروري أن أقرأ بصوت مرتفع ما ترجمتهُ. بهذه الطريقة تتبدى السطور العرجاء بوضوح محبط.
يحبُّ بعض مترجمي اللغة البابلية أن يعلّموا بالضبط أين تضيع الإشارات في المخطوطات الأصلية، أو أن يشيروا إلى أين أضافوا الكلمات الإنكليزية التي لا توجد كلمات بابلية تعبر عنها. أعلّم انقطاعات مهمة، حيث تضيع عدة كلمات، لكنني عادة لا أستخدم تقليداً، كعلامة استفهام أو حروف مائلة، ولا يملك البابليون كلمة ل the لكن سيكون من السخف تعليمها في الترجمة. بالتالي، أستخدم القوسين فقط من أجل الإضافات الشرحية مثل إلى ماذا يشير ضمير غامض. أعتقد أن تحديد الأخطاء الثانوية في المخطوطات وخاصة في الترجمات غير الموجهة للمختصين، تمرين بلا فائدة. إذا بدت مسائل كهذه مهمة لقارئ، فيجب أن يتعلم البابلية أو يسأل محترفاً.
إكلال: كيف تمكن مقارنة المفردات الإنكليزية مع الأكادية؟ ما هي الكلمات الإشكالية في النص التي تتحدى المترجمين؟ (أشعر بفضول لمعرفة ما الكلمتان المقابلتان لكل من "اختلاف" و”خلود"). أرى بعض المنطق في الكسور في النص وتصور الاختلاف لكنني غير متأكد إذا كانت كلمة "مختلف" مستخدمة فعلاً في النص؟
بنجامين: إن عدد المفردات الإنكليزية أكبر بكثير من مفردات البابلية. إن البابلية، من ناحية أخرى، يمكن أن تغير صيغة كلمات الأفعال كي توصل معاني تتطلب عدة كلمات إنكليزية لمترجم، على سبيل المثال، إن: "جعلها تكتب لي بشكل متكرر" ستعبر عنها كلمة واحدة في البابلية. وتملك البابلية، على غرار أية لغة، بعض الكلمات الإشكالية للمترجم، رغم أن المفضلة لدي لا توجد في الملحمة.
بالنسبة لكلمة "خلود" بوسعك استخدام "حياة أبدية" أو (متواصلة). بالنسبة ل "مختلف" إن المعنى الظلي الدقيق هو عادة سلبي، بقوة "غريب" أو "عدو". وإذا قلت عن شيء أنه "مختلف" بالبابلية فأنت لا تمدحه، مثال على ذلك وصف الفأس التي رآها جلجامش في حلمه، كانت بالفعل فأساً لكنها بدت مختلفة نوعاً ما (وكان هذا مزعجاً) لم يبتكر البابليون اسم "اختلاف" بهذا المعنى.
إكلال: لماذا تعتقد أن الملحمة أصبحت نصاً معيارياً في تدريس الأدب العالمي اليوم وخاصة في أميركا؟
بنجامين: ألف تيودور زيولكوفسكي كتاباً مذهلاً بعنوان: “جلجامش بيننا: مقابلات حديثة مع الملحمة القديمة” (2011) يتناول فيه بالتفصيل تلقي الملحمة في الفن والأدب الحديثين، وخاصة الألمانيين. لكن الكتاب لا يجيب في الحقيقة على سؤالك الملح. قال ييتس إن الملحمة تروق لنا لأنها تتحدث عن الموضوعين البشريين الأكثر أهمية: الحب والموت. فإذا كان هذا الكلام اختزالياً جداً يستطيع المرء القول إن البابليين كانوا يميلون إلى رؤية أنفسهم في أبطالهم، وهكذا ربما كان بوسع القارئ الحديث أن يرى نفسه في هذه الملحمة التي من بلاد ما بين النهرين القديمة كاملاً وناقصاً، ومختلفاً عن أشخاص آخرين لكنه مثلهم من حيث الجوهر. وربما كانت قصيدة عظيمة ما تزال تقدم لنا شيئاً حيوياً رغم انقراض بيئتها الثقافية بطريقة لا تقدر عليها إلا بضعة أعمال أدبية. وحين تسمع الناس يسخرون من "المستشرقين"، تذكّر أنهم قدموا لنا ملحمة جلجامش مرة ثانية.
أيلول 2016
(مجلة الأدب العالمي)
ترجمة أسامة إسبر